1427-
وعَنْ أَبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي دَابَّةٍ، ولَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُ بَيِّنَةٌ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وهَذَا لَفْظُهُ، وقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
1428- وعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رسول الله ﷺ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ، تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
1429- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُم اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ولَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، ولَا يُزَكِّيهِمْ، ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، ورَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ: لَأَخَذَهَا بِكَذَا وكَذَا، فَصَدَّقَهُ، وهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، ورَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وفَى، وإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فحديث أبي موسى فيه الدلالة على أنَّ الخصمين أو أكثر إذا اختصموا في عينٍ وليس بينهم بينة تقسم بينهم، إذا لم يدعها مَن هي في يده، إذا كانت في أيديهما، أو في يد أشخاصٍ لا يدَّعيها، فإنها تقسم بينهما، فإذا كان لا بينةَ لهما فإنها تُقسم بينهما، فإن تشاحّوا فإنه يحلف مَن يُقرع بينهم الحلف، ويستحق كما تقدَّم في حديث أبي هريرة: أن النبي ﷺ عرض على قومٍ اليمين، فأسرعوا، فأمر أن يُسهم بينهم أيّهم يحلف، فإذا تشاحّوا كل واحدٍ يقول: أنا هي عين مالي، وأستحقُّها، فإنهم يُقرع بينهم، فيحلف مَن يزعم أنها ماله ولا بينةَ له، أما إذا لم تكن بينهم بينة، ولم يتشاحوا، تُقسم بينهم كما قسم النبيُّ ﷺ بينهم الدَّابة عليه الصلاة والسلام.
وهذا هو الجمع بين الحديثين: حديث أبي موسى، وحديث أبي هريرة المتقدم، فإنَّ الخصوم قد يتشاحون، وكل واحد يقول: هي عين مالي، ما أسمح بها لغيري، وأنا مُستعدٌّ لليمين على ذلك، ولا بينة، فإنه يُقرع بينهم، أيّهم حلف فلا بأس إذا اتَّفقوا على هذا، فأما إذا لم يتَّفقوا على هذا فإنها تُقسم بينهم العين اثنين، أنصاف ثلاثة أثلاث، أربعة أرباع؛ لحديث أبي موسى، هذا هو أحسن ما قيل في هذا.
والحديث الثاني حديث جابر: يدل على أن الحلف عند منبر صاحبه على خطرٍ إذا كذب، ولهذا قال جماعةٌ من أهل العلم: إنها تغلظ اليمين في المدينة عند منبر النبي ﷺ؛ لأنَّ الحلف عنده على خطرٍ إذا كذب، وهذا من باب تغليظ اليمين.
فالواجب على المؤمن الصدق أينما حلف، وأن يتحرى الصدق، ويحذر الكذب، كما تقدَّم قوله ﷺ: مَن حلف على يمينٍ وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، فالواجب على المؤمن الحذر، سواء حلف في مسجد النبي، أو عند المنبر، أو في أي مكانٍ، فالواجب عليه أن يتَّقي الله، وأن يصدق ويتحرى قول الحق.
والحديث الثالث حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: ثلاثة لا يُكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم، هذا وعيدٌ شديدٌ.
الأول: رجلٌ على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، هذه كبيرةٌ من كبائر الذنوب، كونه على فضل ماءٍ في البَرِّ، ويمنعه من ابن السبيل: ألا يشرب، أو لا يُورد غنمه، وعنده فضل، فهذا وعيدٌ شديدٌ؛ لأنَّ الماء مُشترك كما تقدَّم: الناس شركاء في ثلاثة: في الماء، والكلأ، والنار، فالواجب عليه تمكين مَن حوله من الشرب، وألا يمنعهم.
والثاني: رجلٌ باع لرجلٍ سلعةً بعد العصر، فحلف له بالله، ختم نهاره بهذا، حلف له بالله، وكذا، وكذا أنه عليَّ بكذا وكذا، عليَّ بألف ريـال، فصدَّقه وهو كاذب، وعيد شديد، بألف ريـال، بمئة ريـال، بأقل، بأكثر، هذا يُفيد أن اليمين الغموس تعظم وقت العصر عند ختم النهار -نسأل الله العافية- يكون إثمها أعظم إذا كانت في آخر النهار -نسأل الله العافية- كونه يختم نهاره باليمين الفاجرة.
والثالث: رجلٌ بايع إمامًا، لا يُبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه منها وفى بالبيعة، وإن لم يُعطه ولم يُرضه لم يفِ، فهذا مُتَّبعٌ لهواه -نسأل الله العافية- والذي يُخالف ولي الأمر ويعصي ولي الأمر على خطرٍ عظيم، فالواجب على المؤمن أن يتَّقي الله، وأن يفي بالبيعة، ويتَّقي الله في السمع والطاعة؛ لأنَّ الله قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأَطِيعُوا [التغابن:16]، والنبي ﷺ قال: على المرء السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره، ما لم يُؤمر بمعصية الله، فالواجب على المؤمن أن يتَّقي الله .....، وأن يحذر شقَّ العصا لأجل اتِّباع الهوى -نسأل الله للجميع العافية والسلامة.