1433- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
.
1435- وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ: وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً، كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنَ النَّارِ.
1436- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1437- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1438- وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، وَاسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّ السِّعَايَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ.
الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالعتق، والعتق هو تحرير الرقاب، وله فضل عظيم: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد:11- 13]، فعتق الرقاب له منزلة عظيمة؛ لما فيه من إخراج النفس من مُشابهة البهائم إلى مُوافقة بني آدم وحرية بني آدم؛ ولهذا جعل اللهُ العتقَ من أسباب العتق من النار، وهو قُربة عظيمة، وجعله الله كفَّارةً لجرائم كثيرةٍ: فجعله كفَّارة للقتل، وكفَّارة للظِّهار، وكفَّارةً للوطء في رمضان، وكفَّارة لليمين.
فعتق الرقاب له شأن عظيم، تُكفر به الخطايا، وتُحطُّ به السَّيئات، وتُعتق به الرِّقاب، فمن هذا قوله ﷺ: أيما امرئٍ مسلمٍ أعتق امرأً مسلمًا استنقذ اللهُ من كل عضوٍ عضوًا من النار، زاد في روايةٍ: حتى فرجه بفرجه.
فهذا يدل على أنَّ إعتاق الرقاب من أعظم القُربات، ومن أسباب عتق العبد من النار، كما أعتقه لله فالله يُعتقه من النار، هذا من جنس ما جاء من القُرب الكثيرة في عتقه من النار، فهو ..... من الإيمان والتوحيد، هذه القربات والطَّاعات كأنواع الذكر، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء، والحجّ، والصيام، ونحو ذلك، كلها أسبابٌ للعتق من النار، مضافة إلى وجود الإسلام، ووجود التوحيد، وعدم نواقض الإسلام.
وفي رواية الترمذي أيضًا: مَن أعتق امرأتين مُسلمتين كانتا فكاكَه من النار.
ولكعب بن مرة: أيما امرأةٍ مسلمةٍ أعتقت امرأةً مسلمةً كانت فكاكها من النار.
المقصود أنَّ هذا يدل على شرعية العتق وفضله العظيم، وأنَّ النفس بالنفس؛ مَن أعتق نفسًا أعتقه الله بها من النار، وأنَّ الرقبتين من الإناث تُعادل الرقبةَ من الذكور، كما في حديث أبي أمامة، وحديث كعب بن مرة، وظاهر إطلاق بعض الأحاديث: أنَّ الأمر عامّ، وأنه أيما امرئٍ مسلمٍ أعتق امرأً مسلمًا أو امرأةً مسلمةً كان ذلك من أسباب عتقه من النار، ولكن إذا كانا إناثًا، وكانا ثنتين كان أكمل في العتق، وأقرب في الرجاء، وهكذا المرأة تُقابلها المرأة، فإذا أعتقت رجلًا كان أكمل وأعظم.
وكل هذا يدل على فضل العتق، وأنَّ عتق الرقاب من الرقِّ -رق العبودية- من أسباب عتق الرقاب من عذاب الله يوم القيامة.
والحديث الرابع: حديث أبي ذرٍّ ، أنه قال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله. هذا يدل على أنَّ أفضل الأعمال وخير الأعمال هو الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، جاء في الرواية الأخرى أنه سُئل: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أيّ؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور خرجه الشيخان أيضًا.
فهذا يدل على فضل الإيمان، وأنه أفضل الأعمال، وتوحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمدٍ ﷺ، هذا هو أفضل الأعمال، هو رأس الدين وأساسه، ثم يليه الجهاد في سبيل الله، وإذا أُطلق دخل في الإيمان أيضًا، فالإيمان والجهاد مُستقل وعبادة عظيمة، وهو شعبة من الإيمان، وأصل عظيم من أصول الإيمان، فلا منافاةَ أن يُضمَّ إليه أو يُفرد، فالجهاد من أعظم الشُّعب، من أعظم القربات، من أعظم الطاعات.
وهكذا الصلاة هي شعبة من الإيمان، وهي عبادة مستقلة، وهكذا الصوم، وهكذا الحج، وهكذا الزكاة هي شُعب من الإيمان، ومع ذلك هي عبادات عظيمة مستقلة لها شأنها وفضلها.
قال: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها، كل رقبةٍ تكون أغلى وأنفس لكمال علمها، أو إيمانها، أو تقواها، أو قوتها بين المسلمين، أو غير هذا؛ تكون أنفس في العتق وأفضل، فإعتاق القوي العامل المجاهد أفضل من إعتاق الضَّعيف الذي لا قدرةَ له على نفع المسلمين في المجاهدين، ولا العلم، وإعتاق المرأة المؤمنة النافعة أفضل من إعتاق المرأة العامية الضَّعيفة، وكلٌّ له قدره، وكلٌّ له نصيبه من فضل الله ، كلما كان العتيقُ أفضل في نفسه كان أفضل في العتق، سواء كان رجلًا أو امرأةً.
و..... هذا عند قومٍ الرقاب الأخرى: كالإبل والبقر والغنم في الهدايا والضَّحايا، فأنفسها عند أهلها وأغلاها أفضل في الهدايا والضَّحايا.
وقال آخرون: بل يُراعى في ذلك ما هو أنفع للفقراء من جهة السّمن، وإن كان الغير أغلى من جهة النَّجابة، فالعلة مختلفة؛ فالفقراء في الهدايا والضَّحايا محتاجون للسّمين وكثير اللحم أكثر من حاجتهم للنَّجابة.
وهذا محل نظرٍ؛ فإن نظرت إلى طيب نفس المتبرع فالنَّجابة والأغلى أفضل، يعني: مما حصل في نفسه من بذلها لله وتبرعه بها وطيب نفسه بها، فله أجر ذلك. وإن نظر إلى ما يتعلق بالفقراء وحاجتهم والتمس ما هو سليم، فهو يكون أغلى أيضًا، إذا كان أسمن وأكثر لحمًا فهو في الغالب أيضًا أغلى وأنفس بالنسبة إلى أفراد الجنس الذي يُراد من هذا أيضًا الضَّحايا، فلا منافاةَ، فما كان نجيبًا وعظيمًا في النفوس فهو أغلى وأنفس من جهة طيب النفس به، ومن جهة الثواب عند الله، وتحري المتبرع من الهدايا والضَّحايا السَّمين والذي ينفع أكثر له وجهه أيضًا من هذه الحيثية، ويكون له جزاؤه وفضله بسبب تحريه هذا الشيء.
ولكن حديث أبي ذرٍّ على إطلاقه، فما كان أنفس كان دليلًا على قوة إيمان العبد الذي طاب به وبذله وتقرب به مع غلائه وارتفاع ثمنه؛ رغبةً فيما عند الله ، وهذا يكثر في العبيد، ويظهر في العبيد، وقد يختفي فيما يتعلق بالإبل والبقر والغنم؛ لأنَّ النَّجابة فيها غير مطلوبةٍ، إنما المطلوب فيها سلامتها من الآفات والعيوب، وكونها بعيدةً عن الهزال، فكل شيءٍ له ما يُناسبه.
وقد يُقال في هذا: أنَّ ما يتعلق بالإبل والبقر والغنم يُراعى فيه النَّفاسة المناسبة، وما يتعلق بالرِّقاب يُراعى فيه النَّفاسة المناسبة، والغالب أنه يجتمع الأمران: فالنفس غالٍ، والسَّمين غالٍ، فما كان أغلى من جهة سمنه في الضَّحايا والهدايا ونجابته فهو أفضل، وما كان أغلى من جهة النَّفاسة من الرقيق؛ لنفعه للناس: لعلمه وفضله وجهاده وقوته، أو غير هذا من الخصال التي تنفع الناس كان أفضل.
الحديث الخامس والسادس: حديث عمر وأبي هريرة في عتق الجزء المشاع، يدل الحديثان على أنَّ عتق المشاع يُوجب عتق الجميع، وأنَّ مَن كان له شرك في عبده فأعتقه لزمه عتقُ الجميع إذا كان قادرًا، ولا يجوز التَّبعيض؛ لأنَّ التَّبعيض يضرّ العبد، ولا تتم به المصلحة؛ فلهذا وجب عليه أن يُعتقه كله إذا قدر، فمتى أعتق نصفَه أو رُبعه أو عُشره أو أقلّ أو أكثر لزمه عتقُ الباقي إذا كان له مال يستطيع به ذلك، ويسري عليه العتقُ للجميع، ويُلزم بالثمن، أما إن عجز وليس عنده ما يبلغ ذلك؛ فإنه يعتق منه ما قدر، ويبقى الجزء الآخر رقيقًا، ويكون مُبَعَّضًا، ولكنه يستسعى كما جاء في رواية أبي هريرة: يقوم ويستسعى حتى يُؤدي كالمكاتَب، هذا هو المعتمد.
وأما مَن قال: مُدرجة، فلا وجهَ له، هو حديث صحيح ظاهر في الاتصال وعدم الإدراج، فإن كان عنده مالٌ أعتق ولزمه الجميع، وإن لم يكن عنده مال قُوم عليه وعتق منه ما عتق، واستسعي في الباقي، يعني: استعمل نجَّارًا، حدَّادًا، عاملًا قُوِّم عليه مثلًا: بعشرة آلاف، بعشرين ألفًا، ثم قال: اعمل وأدِّ إلى سيدك.