شرح كتاب كشف الشبهات 1الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

شرح كتاب كشف الشبهات 1الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

صحيح
By -
0
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

يقول المؤلفُ رحمه الله في كتابه المسمى "كشف الشبهات": عباد القبور لهم شبهات كثيرة يُوردونها على الدُّعاة إلى الله، ويلبسون بها على بعض الناس في دعوتهم الأموات، واستغاثتهم بالملائكة والأنبياء ونحو ذلك، يقولون: هؤلاء لهم جاهٌ عند الله، ولهم شفاعة عند الله، وهم مُقربون عند الله، ونحن نطلب منهم الشفاعة، ونطلب منهم القربى، نعرف أنهم لا يتصرفون في أنفسهم، وأنهم لا يخلقون، ولا يرزقون، ولكن نريد شفاعتهم، نريد تقريبهم لنا إلى الله زلفى، نريد أن ينفعونا بشفاعتهم، يُشبهون على الناس.

فالمؤلف كتب هذه الرسالة "كشف الشبهات" لإيضاح هذه الشبهات وإبطالها، وبيان أنَّ هذه الشبهات لا تلتبس على أهل العلم والإيمان، بل أوضح الرسل إبطالها، وأوضح القرآن إبطالها، فيقول رحمه الله: "اعلم" يعني: يا أيها القارئ، أيها المسلم، "أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" هو دين الله، قال الله جلَّ وعلا: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

فالتوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده، من أولهم نوح، إلى آخرهم محمد ﷺ، كما قال جلَّ وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، هذا دين الرسل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

قد كان عليه نوح، وقبله آدم وذريته، وهكذا الرسل بعده هم على هذا، فلما حدث الشركُ في قوم نوحٍ، وأشركوا بودٍّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، أرسل الله إليهم نوحًا عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن عبادة هذه الصور -الأصنام- وهم صوروهم ليتأسّوا بهم، كانوا رجالًا صالحين، فلما هلكوا في قوم نوحٍ جاءهم الشيطان وقال: هؤلاء صفتهم كذا وصفتهم كذا، وهم صالحون وأخيار، صوروا صورهم، واجعلوها في مجالسهم؛ حتى تذكروا عبادتهم، حتى تقتدوا بهم. حتى يصيدهم بعد ذلك بالشرك، أو مَن بعدهم، فصوروها ونصبوها في مجالسهم، حتى طال عليهم الأمدُ فعبدوهم من دون الله.

فالنبي ﷺ لما بعثه الله أنكر على المشركين عبادة الصالحين، وأخبرهم بما جرى لقوم نوح، وأنزل الله عليه في ذلك سورة نوح، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، كانت موجودةً في العرب فأمر بتكسيرها لما فتح الله عليه مكة عليه الصلاة والسلام: ودّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسرا.

وكان المشركون يتعبدون عند هذه الأصنام وأشباهها؛ يرجون بركتها وشفاعتها عند الله ونفعها، فيقولون: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ما يعتقدون أنها تخلق وترزق كما يظن المشركون الذين في زماننا، يظنون أنَّ أولئك يعتقدون أنها تخلق وترزق، لا، هم يظنون فيها، هم يعتقدون فيها أنها مخلوقة مربوبة، لا تخلق ولا ترزق، ولكن يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، ومع هذا كفرهم الله، وأرسل إليهم رسولًا، وقاتلهم الرسول على هذا الشرك.

وهذا يُبين للقارئ حقيقة الشرك، وأنه هو التَّشفع بالصَّالحين، وطلبهم القربة من الله، والذبح لهم، والنذر لهم، والسجود لهم؛ لقصد القربة والشَّفاعة: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، ما قالوا أنها تخلق وترزق، الله بيَّن هذا في كتابه العظيم، قال لنبيه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31] يعني: سيعترفون ويقولون: الله، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ۝ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ۝ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84- 89]. والآيات كثيرة في هذا، كلها تدل على أنهم مُقرون بأنَّ الله خالق الأرض، خالق السماء، خالق كل شيء، ولكنَّهم كفروا بطلبهم الشَّفاعة والقُربة من الأنبياء والصَّالحين، والذبح لهم، والنذر لهم، ونحو ذلك، كفروا بهذا، وإلا فهم يعلمون أنَّ جميع المخلوقات الله خالقها، والله رازقها ، هم مقرون بهذا، ليس عندهم فيه شك، ولكنَّهم توسطوا بهم في طلب الشَّفاعة، في طلب المغفرة، في غير هذا من مطلوبهم، وقالوا: إنما تقربنا إليهم نرجو شفاعتهم وتقريبهم لنا.

فبين الله بطلان هذا، وأنَّ هذا شرك وكفر وضلال، وأنَّ ذبحهم لهم ونذرهم لهم ودعاءهم إياهم كل هذا من الشرك الأكبر، ولو اعتقدوا أنهم مخلوقون مرزوقون، ما داموا صرفوا هذه العبادة لهم، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، وذبحوا لهم، هذا هو الشرك، فلعلهم بهذا -لعلَّ هؤلاء المتأخرين- إذا بصروا يتبصرون، وإذا ذكروا يتذكرون بما عليه أهل الشرك، وأنَّ هذا الذي عليهم هو دين المشركين الأولين، وهؤلاء زادوا على الأولياء أيضًا؛ لأنَّ شركهم دائم في الرَّخاء والشدة، والأولون في حال الرخاء خاصةً، أما في حال الشدائد فيُخلصون لله الدِّين، كما قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].

أما هؤلاء المشركون -عباد البدوي وعباد الحسين وعباد الجيلاني وغيرهم- هؤلاء شركهم دائم في الرخاء والشدة -نعوذ بالله- هم أشد شركًا من الأولين، وأعظم وأقبح، وبعضهم يُشرك في الربوبية أيضًا، بعضهم يجعل معبوداتهم تُشارك الله في تصريف الكون، شرك آخر، شرك في الربوبية، نعوذ بالله.

فالمقصود أنَّ شرك المتأخرين أعظم من شرك الأولين وأقبح من جهتين: من جهة أن شركهم دائم في الرخاء والشدة، والأولون بخلاف ذلك. ومن جهة أنَّ كثيرًا منهم شركوا آلهتهم حتى في تدبير الأمور، وفي خلق الخلق، وفي رزق العالم، وهذا أقبح من شرك الأولين وأخطر وأشد ضلالًا وبُعدًا عن الهدى، نسأل الله العافية، وفَّق الله الجميع.

س: الذين يُشجعون الكرة، ويقول بعضُهم: إذا فاز النادي الفلاني ذبيحتكم عليَّ؟

ج: هذا ما يصلح، لا بالدراهم، ولا بالذبائح، ما يجوز هذا، هذا من الجعل المجهول، من القمار، ما يجوز، ولا يجوز لهم أن يأكلوا الذَّبيحة التي ذُبحت لهم؛ لأنَّ هذا من القمار، يقول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، والميسر هو القمار، كونه يُغالب على مالٍ، غير السبق بالنَّصل والخفّ والحافر.

س: متى يكون الخوفُ شركًا أصغر؟

ج: الشرك الأكبر خوف السر، والخوف الذي يحمل على ترك واجب أو فعل معصيةٍ يُسمَّى: معصية، ما يُسمَّى: شركًا أصغر، ما أعرف شيئًا في تسميته: شركًا أصغر، لكن لو خوفه من ولده، أو خوفه من زوجته حتى عصى الله؛ يكون هذا من باب المعصية، ما هو من باب الشرك، مثل: كونه يفعل شيئًا مما حرَّم الله خوفًا أن تغضب زوجته، أو يغضب ولده: يشرب الخمر، أو يترك الصلاة مع الجماعة إرضاءً لزوجته، أو خوفًا من غضبها، أو من صاحب العمل، أو ما أشبه ذلك.

س: بعض الناس يُطلق على بعض المعاصي أنها تُوقع في الشرك، يقول: يُحبون هذه الأفعال أكثر من حبِّهم لله؟

ج: حب العبادة، أما حب الزوجة أو حب المال أكثر من حبِّ الله معصية، لكن الحبَّ الذي -يعني- يقتضي عدم وجود المحبَّة لله؛ هذا كفر أكبر -نسأل الله العافية- فأصل الحبِّ لا بد منه، لكن كونه أكمل؛ حب الله أكمل من كل شيءٍ، وحب الرسول أكمل من كل شيءٍ، هذا هو من كمال الإيمان الواجب .....، هذا كمال التوحيد.

س: لحبه لشيخه يُقدم كلامه على كلام الله ورسوله؟

ج: هذه معصية وتقليد أعمى، وإذا استحلَّ ذلك ورأى أنَّ كلام شيخه مُقدم على كلام الله ورسوله كفر أكبر، إذا استحلَّ ذلك، نسأل الله العافية.

س: الصالحون: ود، وسواع، ويغوث، هل كانوا في زمن نوحٍ أو قبله؟

ج: في زمن نوحٍ.

س: لما كانوا أحياء؟

ج: هم موجودون في زمن نوحٍ، ووجودهم قبل نوحٍ، لكن موجودة في زمانه، ثم بقيت في الناس، نسأل الله العافية.

س: هناك حديث بأنها ستعود وتُعبد بأعيانها هذه الأصنام؟

ج: لا، في الحديث الصحيح: لا تقوم الساعةُ حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله يعني: حتى يعمَّ الشرك -نسأل الله العافية- هي وغيرها إن وُجدت، إن وُجد منها شيء، يعني: تُطبق البلاد على الشرك -نسأل الله العافية- بعدما يُنزع الإيمانُ من قلوب الناس، فإنَّ الله يُرسل ريحًا طيبةً تقبض أرواح المؤمنين، فلا يبقى إلا الكفار، وعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية.

فإذا تحققت أنهم مُقرون بهذا، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسولُ الله ﷺ، وعرفت أنَّ التوحيد الذي جحدوا هو توحيد العبادة الذي يُسميه المشركون في زماننا: الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله  ليلًا ونهارًا، ثم منهم مَن يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقُربهم من الله؛ ليشفعوا له، أو يدعو رجلًا صالحًا مثل: اللات، أو نبيًّا مثل: عيسى.

وعرفت أنَّ رسول الله ﷺ قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال الله تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ [الرعد:14].

وتحققت أنَّ رسول الله ﷺ قاتلهم ليكون الدُّعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله.

وعرفت أنَّ إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يُدخلهم في الإسلام، وأنَّ قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يُريدون شفاعتهم، والتَّقرب إلى الله بذلك؛ هو الذي أحل دماءهم وأموالهم؛ عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسلُ، وأبى عن الإقرار به المشركون.

وهذا التوحيد هو معنى قولك: (لا إله إلا الله)، فإنَّ الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكًا، أو نبيًّا، أو وليًّا، أو شجرةً، أو قبرًا، أو جنيًّا، لم يُريدوا أنَّ الإله هو الخالق 

والفائدة الثانية: الخوف، تخاف أن يُصيبك ما أصاب الناس، تخاف أن تهلك، تخاف أن تزل، الله يقول جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، ويقول: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، ولما ذكر أهل الجنة قال: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:8]، ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]، تخاف الله أن تزل قدمك، أن تقع في الشرك، أن ترتد عن دينك، أن تؤثر الدنيا على الآخرة، تخاف وتحذر، مع الفرح بفضل الله ورحمته وما يسَّر الله لك من الهداية، تخاف ربك، تخاف أن يزيغ قلبك، تخاف أن تزل قدمك بسبب تفريطك وتساهلك، أو إيثار الدنيا، أو غير هذا من أسباب الردة.

هكذا المؤمن: يفرح بفضل الله، يحمد الله أن جعله من أهل الإسلام، يستقيم ويُجاهد نفسه في الله، ويخاف أن تزل قدمه، يخاف أن يزيغ قلبه، يخاف أن يقع فيما وقع فيه الأكثرون من الشرك بالله، هكذا المؤمن، كما قال الله عن الرسل وأتباعهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال في أوليائه: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:57- 60]، مع عملهم الطيب قلوبهم وجلة: أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60- 61].

فهكذا أهل الإيمان، هكذا الرسل وأتباعهم؛ يعملون الطاعات، ويجتهدون في الخير، ومع هذا يخافون الله، يخافون أن تزل أقدامهم، يخافون أن تزيغ قلوبهم، ليسوا آمنين، يخافون، يحذرون، هكذا المؤمن؛ يكون خائفًا وجلًا حذرًا، لا يأمن مكر الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، عندهم إيمان صادق، ومن الإيمان: الخوف من الله، والخشية له، ورجاؤه، وتعظيمه، والإخلاص له، والثبات على دينه، كل هذا داخل في الإيمان.

هؤلاء هم أهل الأمن والهداية، هم الموفقون بسبب إيمانهم، وصدقهم، وإخلاصهم، وخوفهم من الله، وعنايتهم بدينهم، وحذرهم من أسباب الشر.

قال ابنُ أبي مُليكة رحمه الله -التابعي الجليل- "أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ، ما فيهم مَن يقول: إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل، بل كلهم يخاف النِّفاق على نفسه"، كلهم يخاف، كلهم يحذر.

قال بعضُهم: ومَن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ مَن يأمن بعد إبراهيم؟ إبراهيم الخليل يقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، يخاف: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ [إبراهيم:36]، فخاف أن يُصيبه ما أصاب الكثير، والنبي ﷺ كان يضرع إلى رِّبه ويسأله : اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، ويسأل ربَّه دائمًا عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وهو نبي الله، وهو رسول الله، أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، ويقول: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، يحلف بالله أنه أخشى الناس لله، وأنه أخوفهم، أخوف الناس من الله، مع إيمانه العظيم وتقواه: والذي نفسي بيده، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له.

iv>
وفَّق الله الجميع.

إرسال تعليق

0تعليقات

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!