بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ من حديث (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ من حديث (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله

صحيح
By -
0
بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ

1203- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1204- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ, فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

1205- وَعَنْ أَمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذا الباب في قتال أهل البغي، وأهل البغي: هم قومٌ يخرجون على الإمام، على السلطان، يُقال لهم: أهل البغي، إذا كانت لهم شوكة، ولهم منعة، ولهم قوة يُقال لهم: البُغاة، أما إذا كانوا أفرادًا فهم قُطَّاع طريق، يُسمّون: قُطَّاع طريقٍ، وحكم قُطَّاع الطريق تقدَّم، أما إذا كانوا جماعةً لهم شوكة، ولهم شبهة، يدَّعون على الإمام: أنك فعلتَ وفعلتَ، ولهم منعة وقوة، فإنهم يُسمون: أهل البغي، والإمام يُقاتلهم، لكن بعدما يُراسلهم ويعظهم ويُذكِّرهم، وينظر الأسباب -ما قاموا بسببه- إن كانت مظلمةً أزالها عنهم، وإن كانت شبهة كشفها لهم؛ حتى يكون قتالهم على بصيرةٍ، مثلما جرى بين معاوية وبين عليٍّ رضي الله عنهما، فيُسمون: بُغاة؛ لأنَّ عليًّا هو الإمام الذي بايعه أهلُ الحلِّ والعقد، وصار لمعاوية وأصحابه شُبهة، فجرى ما جرى من الفتنة، وقال ﷺ: تقتل عمَّارًا الفئةُ الباغيةُ، فقتله معاوية وأصحابُه عام صفين .

فالمقصود أنَّ أهل البغي: هم جماعة يخرجون على ولي الأمر، سواء كان أمير العامَّة، أو أمير البلد الذي خرجوا عليه فيها: كأمير مصر، أمير السعودية، أمير الشام، يدَّعون أنه فعل كذا، وأنه فعل كذا، ولهم شُبهة، ولهم قوة، ولهم منعة.

أما إذا كانوا ضُعفاء، ما لهم قيمة، فهؤلاء مثل قُطاع الطريق، يُؤَدَّبون، أو ما لهم شُبهة مثل قُطاع الطريق، فيُراسلهم وليُّ الأمر، يكتب إليهم، أو يبعث لهم مَن يُناظرهم ويكشف شُبهتهم، ويُزيل مظلمتهم، فإن أبوا وأصرُّوا قتلهم كما قاتل المسلمون أهلَ الشام، وكما جرى في وقائع كثيرةٍ في هذه البلاد وفي غيرها.

ويقول النبيُّ ﷺ: مَن حمل علينا السلاحَ فليس منَّا هذا وعيدٌ، فيجب على المؤمن الحذر من حمل السلاح إلا بحقٍّ، والله بيَّن في كتابه العظيم قال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].

فالباغية تُقاتَل، أما إن كانت شبهة فيُصلح بينهم صلحًا، فإن بغت ولم ترتدع تُقاتَل حتى تفيء إلى أمر الله، وفيه وعيدٌ: مَن حمل علينا السلاحَ فليس منا رواه الشيخان.

وفي "صحيح البخاري" عن أبي موسى الأشعري مثله: مَن حمل علينا السلاحَ فليس منا، وفي "صحيح البخاري" أيضًا: يقول ﷺ: لا يُشِر أحدُكم على أخيه بالسلاح، وفي اللَّفظ الآخر: بحديدةٍ؛ فلعلَّ الشيطانَ ينزغ في يديه فيقع في حفرةٍ من النار. الآلة التي معه من سلاحٍ أو حديدةٍ على أخيه فيضرّه، فينبغي ألا يلعب بالسلاح، وألا يُشير لأخيه بالسلاح، بل يكون التَّفاهم بغير السلاح.

ويقول النبيُّ ﷺ: مَن خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، ومات فميتتُه ميتة جاهلية، وكان النبيُّ ﷺ يأمر بالجماعة، وينهى عن الفُرقة.

فالواجب على المسلمين التَّمسك بالجماعة، والتَّباعد عن الفُرقة، والحذر من أسبابها، ومَن زجَّ في ذلك فقد أخذ برأي الجاهلية، وسار في مركب الجاهلية.

ويقول ﷺ: تقتل عمَّارًا، وهو عمار بن ياسر المعروف، تقتل عمَّارًا الفئة الباغية رواه مسلم من حديث أم سلمة، ورواه البخاري أيضًا من حديث أبي سعيدٍ، عن النبي ﷺ أنه قال: تقتل عمَّارًا الفئةُ الباغية، وقُتل يوم صفين، كان مع عليٍّ فقُتل على يد أصحاب معاوية، فاتَّضح أنهم بُغاة على عليٍّ، ثم تمت الأمورُ بعد ذلك على يد الحسن، وتنازل الحسنُ بن عليٍّ عن القتال، واستقرَّ الأمرُ لمعاوية بعد مقتل عليٍّ ، وهدأت الفتنُ -نسأل الله السلامة والعافية.

 الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فحديث عبدالله بن عمر في البُغاة أنه لا يُجهز على جريحهم، ولا يُقتل أسيرهم، ولا يُطلب هاربهم، ولا يُقسم فيئهم، والحديث كما قال المؤلفُ ضعيف، ولكن معناه صحيح، كما عمل بذلك عليٌّ  لما بغى عليه أهلُ الشام، لكن يُدافعوا كما تقدَّم، والبُغاة هم الذين يخرجون لهم شوكة ومنعة، ولهم شُبهة، فيُراسلهم الإمام، ويعظهم، ويُذكِّرهم، ويُوضِّح لهم شُبهتهم، ويُزيل مظلمتهم إن كانت لهم مظلمة، حتى تهدأ الأمور، فإن أجدى ذلك ونفع فيهم وإلا قاتلهم؛ لأنَّ الله يقول: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

ولهذا لما اعتدى أهلُ الشام على عليٍّ رضي الله عنه قاتلهم، وجرى بينهم ما جرى يوم صفين، وهكذا في حادثة الجمل، كل هذا عملًا بهذه الآية، فهم يُقاتلون لكفِّ شرِّهم، والقضاء على عدوانهم، فإن تركوا القتال وكفُّوا تُرِكُوا، وإن صمَّموا على القتال قُوتلوا، ومَن سقط منهم في القتال لا ضمانَ له، وما تلف من الأموال في القتال لا ضمانَ له، ومَن سلم فلا يُجهز على جريحهم، ولا يُقتل أسيرهم، ولا يُقسم فيئهم كالكفار، لا، ولكن تُرد أموالهم إليهم، ولا يُطلب هاربهم، وإذا رأى وليُّ الأمر أن يسجن بعضَهم حتى ينقطع الشرُّ، ويحبسهم حتى تُطفأ الفتنُ فلا بأس، فهذا من باب درء الشرِّ، ودرء الفساد.

ولهذا في الحديث الثاني يقول ﷺ: مَن أتاكم وأمركم جميع يُريد أن يُفرِّق جماعتكم فاقتلوه، وفي لفظ مسلم: مَن أتاكم وأمركم جميع على رجلٍ واحدٍ يُريد أن يُفرِّق جماعتكم فاقتلوه، وفي اللَّفظ الآخر: ويشق عصاكم فاقتلوه، وفي اللَّفظ الآخر: إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما أخرجه مسلم؛ لأنَّ الآخر هو الذي يُريد الفتنة وتفريق الكلمة، فيُقتل، يكون باغيًا، وهذا هو الذي عمله أميرُ المؤمنين علي  وأرضاه، وعملته الدولةُ لما خرج عليها بعضُ الناس من البادية، عملته معهم في ..... كلهم من هذا الباب، من باب البغي.

نسأل الله السلامة والعافية.

إرسال تعليق

0تعليقات

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!